مهر والقرش الأسود

كانت قطرات العرق البارد تتزحلق من على جبيني الشارد




ويداي المنشغلتان تهمان بمسح حواجبي الرقيقة تارة


وتارة اخرى بسحب الخيط الهارب من أحضان البحرالغامض



ثم تغلب علي الغرور بعد ان امتلات السلة بانواع السمك البحري


وبدا الطمع يعمي بصيرتي وينسيني دقات الساعة التي كلت وهي تناديني


ونسيت نفسي تماما


حتى وجدت نفسي في جدال مع الخيط


وبدات أقاوم وأقاوم أحتال عليه كما يفعل الصياد الماهر


فمرة ارخيه ومرة اخرى اشده , كالعادة وبثقة وعزم


الا انه شدني هذه المرة بقوة الى اعماق البحر الغادر


وسقطت من اعلى الصخرة


واخذت اتخبط بين احضان الموج المتلاطم


ثم تركت الخيط بعد ان احسست ان الموت قادم


وبدات استخدم خبرتي في السباحة للعودة الى اطراف الشاطئ البعيد


الا ان شيئا امسكني بقوة وقال لي تعال لا مهرب


لقد صبرت عليك كثيرا وضقت منك ذ رعا


كنت كل يوم تاتي الى بستاني تسرق رزقي وتهرب لا حمدا ولا شكورا


وكنت اشتاط غيظا منك وخصوصا بعدم اعتذارك وغرورك المتبجح


لقد كان قرشا اسود اللون ضخم الحجم


كان يخاطبني وقد التصقت حواجبه االسوداء من الاسفل


وبانت خطوط جبينه كسطور الدفتر الفارغة


ادركت اني ميت ميت لا محالة


الا ان هناك طلبا أخيرا لكل محكوم بالاعدام


قال لي اطلب طلبك الاخير قبل ان التهمك


سالته اهو الموت لا مفر قال بلا جدال نعم فقد حان السفر


قلت له لي طلب بسيط ولا يرد الكريم الا اللئيم


قال لي طلبك مجاب ولكن بلا عتاب


استمهلته في اعطائي مدة من الزمن لمتابعة اعمالي التي تركتها على البر
الا انه ضحك وقال لي اتريد هروبا مني يا فتى فهيهات هيهات لا مفر


قلت له الا تؤمن بالله الواحد القهار
قال لي سبحان الله نعم وسبحان المنتقم الجبار


قلت له انه وعد حر
قال لي لما تريد هذا الشهر
قلت له اني تركت ورائي جراحا في اناس قد أسأت اليهم اريد ان اذهب فأداويها


وبما انني على عتبات الموت الحتمي أتأمل ان القى الله بقلب سليم


فبكى وارسل بالدموع متتاليا حتى ظننت انه الغثيان


ثم قال لست اكرم مني فلقد صفحت عنك يا انسان


اذهب في رعاية الله لعل الله يغفر لي ولك




ولكن اترك لي كل ما اصطدت فان في جوعا قد يسده ما تركت


تركت صيدي وعدت ادراجي في الحال الى بيتي وحمدت ربي انه اطال في عمري


وتركني ذلك الوحش الاسود


ومضت الايام والايام يوما تلو اخر


وبينما انا جالس على طاولة الكمبيوتر اتحدث مع اختي المهاجرة في اسفل الكرة الارضية


سمعت طرقا على الباب فنظرت الى الساعة وكانت السادسة عصرا


قلت في نفسي بما انه ليس وقت غداء ولا عشاء فلا ضير من فتح الباب


لنرى من هذا الزائر الغريب الذي جاء بدون سابق موعد او انذار فلعله يكون من الاصحاب


فتحت الباب واذا بذلك القرش الاسود الذي تركني سابقا


صافحته وادخلته البيت وقد اعتراني الخوف لما رايته من تعابير في وجهه من غضب راكد


قال لي لقد غيرت رايي واني رجعت عن عفوي وصفحي ولا بد من التهامك


قلت له وفي حلقي غصة الموت


اتق الله يا هذا


فمن المعيب ان يعود الرجل في كلامه الم تصفح عني ذاك النهار


((يهديك يرضيك الله يخليك عفاف راضي لكن بلا جدوى))


قال لي يافتى قد تراجعت لانك اخلفت وكذبت


الم تقل لي انك ذاهب لمداواة جروح من اسات اليهم


قلت له بلا قال فمن داويت واين هي دلائلك


بدات اشرح له عن فلان وفلان وأغوص وألوص في الحديث معه


ولكن دونما جدوى فقد كانت عيناه تستنكر كل ما اقول ((وكأن الرجل يعمل في المخابرات ويعلم عني كل شيء ))



قال يا فتى قد داويت هذا وذاك ونسيت حق ربك في اذاك


فصرخت استغفر الله لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


فسكت وصفن واخذ ينظر الي وانا محمر الجبين


فانتهزت الفرصة وقلت في نفسي (( خليني اطعميه علبتين تونة بلكي بيمشي الحال رشوة يعني ))


وكما يقول المثل (( طعمي التم فتستحي العين ))




ثم اسرعت الى مطبخي لاداء واجب الضيف فلم اترك في الثلاجة شيئا الا واحضرته


ثم وضعت له في الكيس بعض علب السلمون والسردين والتونة و الفسيخ والرنجة والدجاج وكل ما في البراد .


وجئت اليه قلت له هذه هدية مني اليك وهذا كل مافي البيت فاطلقني في سبيل الله


قال لي من اجل دعاء يونس فقط


هما يومان ليس الا قال لي هما يومان فقط لا غير


اذهب بالحال


ثم الى نفس المكان بعد يومين تعال


وتذكر يا فتى ان الموت أت أت


فلا تتخابث في الفلات .
.
.
.
.
.
.
.
.
.